الأرشيف

الحلمية .. والوالى القتيل !

الحلمية .. والوالى القتيل 

مقدمة

ترك عباس حلمي الأول ذكرى أليمة في تاريخ مصر الحديث .. فهو ابن طوسون باشا الابن الأثير عند والده محمد على باشا الكبير .. فقد كان لمحمد على أولاد ذكور أبرزهم إبراهيم باشا قائد جيوشه ، وساعده الأيمن في فتوحاته في المورة ( اليونان ) والشام ، والحجاز ، واليمن .. و إسماعيل الذي تولى فتح السودان مع محمد بك الدفتردار ، ومات محترقا بفعل مؤامرة دبرها الملك نمر ملك مملكة شندي عند التقاء النيلين الأبيض بالأزرق .. وطوسون الذي قاد الجيش المصري لمواجهة الحركة الوهابية في الجزيرة العربية ومات شابا .. وسعيد الذي أصبح واليا على مصر ، وعبد الحليم .. وآخرون بعضهم مات صغيرة مثل الأمير محمد على الصغير .. وخطيئة عباس الكبرى التي لا تغتفر أنه أجهض الحركة الإصلاحية التي بدأها جده محمد على الكبير ، عندما أوقف إرسال البعثات ، وأغلق عديدا من المدارس والمصانع، وأنقص عدد الجيش ، وأوقف التوسعات في الصناعات الحربية والمدنية .. ويكفي أنه لقي جزاءه عندما مات مقتولا في قصره في مدينة بنها .. ورغم هذا سيذكر التاريخ للوالى عباس حلمي الأول ، الذي تولى عرش مصر بعد وفاة عمه إبراهيم باشا – وفي حياة جده محمد علي – يوم ٢٤ نوفمبر ۱۸48 م – (۲۷ ذی الحجة ۱۲۹4 ه » أنه ترك بعض البصمات التعميرية ..

 

 

البصمات التعميرية لـــ أسرة محمد علي
—————————————-

فهو الذي بدأ تعمير منطقة الريدانية ؛ لتحمل اسمه من بعده أي العباسية وشجع الأمراء والأعيان على البناء فيها . ووجه لهم نداء بل أمرا بذلك ، بدلا من أن يتفقوا أموالهم على المهازل والمباذل ، حتى يتركوا لأولادهم شيئا يفخرون به …وهو أيضا الذي أنشأ حي .. الحلمية ؛ أي إن اسمه أصبح مخلدا في أكثر من موقع في عاصمة مصر : العباسية الذي يعتبر من أكبر أحيائها ، والحلمية غير بعيد عن القلعة مقر الحكم في عصره … والغريب أن محمد على الكبير لم يطلق اسمه على أي مدينة أو منشأة، وكأنه اكتفى باعماله العظيمة لتكون خير دعاية وذكرى له .. بينمها من أبنائه وأحفاده من تحمل المدن أحياء أسماءهم مثل : 
••الإبراهيمية في محافظة الشرقية نسبة إلى إبراهيم باشا.
••ومدينة الإسماعيلية على قناة السويس .. وترعة الإسماعيلية الحلوة من النيل عند شبرا إلى منطقة القناة .. وحي الإسماعيلية في قلب القاهرة ” التحرير الآن “،
وميدان الإسماعيلية في ضاحية مصر الجديدة .. وكلها تحمل اسم الخديو إسماعيل .

 

••ثم مدينة بور توفيق ضاحية ميناء ومدينة السويس ، وحي التوفيقية التجاري ، وسوق التوفيقية المشهور في قلب القاهرة ، شارع توفيق “الآن شارع عرابی” من شارع
رمسيس إلى شارع ۲6 يوليو في القاهرة .. وهناك أكثر من قرية تحمل اسم التوفيقية .. بل هناك مدينة في أقصى جنوب غرب السودان تحمل اسم التوفيقية وكلها تنسب إلى الخديو توفيق الذي خان مصر ، واستعان بالجيش الإنجليزي ليجهض الثورة العرابية •ومدينة بور فؤاد الضاحية الشرقية لمدينة بور سعيد ، والتي أقامتها شركة قناة السويس على الضفة الشرقية للقناة عام ۱۹۲6م لموظفيها وعمالها المشتغلين بالورش الشرقيه . وقد نسبت للملك فؤاد الذي بدأ حکمه سلطانا بين عامي ۱۹۱۷ و 1926. ثم أصبح ملكا من عام ۱۹۲۲ إلى أن مات عام 1936م .. بل كانت هناك مديريه تحمل اسم : مديرية الفؤادية نسبة إليه ، هي الآن محافظة كفر الشيخ.

 

و بل نجد مدينة أخرى هي الأكثر شهرة في منطقة القناة ، ومن أشهر مدن مصر كلها هي مدينة بورسعيد .. والى مصر الذي وقع عقد امتیاز وحفر قناة السويس وحكم مصر بعد مقتل عباس الأول ، وهو محمد سعيد باشا ابن محمد على الكبير . ونعلم طبعا أن كلمة “بور ” تعني الميناء .. أي في مصر ميناءان ومدينتان الاثنين من أبناء وأحفاد محمد علی ، هما : بورسعيد في الشمال عند المدخل الشمالى للقناة .. وميناء توفيق عند المدخل الجنوبي للقناة ، الأول لسعيد باشا والثانية للخديو توفيق .. وهكذا خلد التاريخ والجغرافيا – سعید وتوفيق وإسماعيل ، بينما لم يخلد محمد على نفسه .

 

سبب تسمية : العباسية .. والحلمية
———————————- 

أما عباس حلمي الأول – رجل الانغلاق الأكبر في أسرة محمد علي – فقد خلد اسمه على اثنين من أكبر أحياء القاهرة ، هما : العباسية .. والحلمية .

ولنبدأ بحكاية حي الحلمية !! 

في يوم ۲۷ ربيع الأول عام ۱۲6۷ ه حوالي عام 1851 م ، صدرت إرادة من الحاج – هكذا – عباس حلمى باشا الأول – والى مصر – تقضي بإطلاق اسم الحلمية ع حي قيسون أو قوسون ، وهذا الحي – الحلمية – يقع بين الحبانية شمالا والسيوفية والسروجية شرقا.. وبركة الفيل جنوبا .. ودرب الجماميز والهياتم غربا ، وأهم شوارع الحلمية : شارع نور الظلام ، شارع أحمد بك عمر ، شارع درب الجماميز ، شارع القلعة شرقا والذي يفصلها عن السروجية والدرب الأحمر وسوق السلاح ، ثم نصل الي جامع السلطان حسن . وأبرز معالم الحي : المدرسة الخديوية ، والمحكمة الشرعية ، وقسم شرطة الدرب الأحمر ، الذي كان المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين ، قبل حل الجماعة بعد الأحداث الدامية في نهاية الأربعينيات . وبتفاصيل أكثر ، نقول إن الحلمية القديمة تقع على شمالها الحبانية وغربها الهياتم ودرب الجماميز .. وشرقها السروجية والدرب الأحمر .. وجنوبها السيوفية والمنشية : وبركة الفيل ، ثم جنوبها السيدة زينب والحوض المرصود .. ويعتبر شارع درب الجاميز هو الفاصل بين الحلمية والهياتم حيث جامع السلطان الحنفي . وأهم شوارع الحلمية : شارع الحلمية نفسه وامتداده شارع الركبية، وشارع نور الظلام جنوبها ، ثم شارع الصليبة . 

وأبرز المنشآت على اليمين جامع السلطان حسن .. ومیدان محمد على ” القلعة” … وجامع الرفاعي . ويحد الحي شرقا شارع القلعة وشمالا شارع أحمد بك عمر حتى الحبانية ، ويفصل حي الحلمية عن قصر عابدين شارع الخليج المصري .  وحي الحلمية ” القديمة” ، منطقة لها تاریخ ، فقد كان في الموقع نفسه بركة كبيرة يقال لها بركة الفيل ، وكان فيها تربة للدفن .. وبركة الفيل تمتد من بستان الحبانية إلى بستان سيف الإسلام إلى تحت الكبش إلى الجسر الأعظم ( میدان السيدة زينب الآن )، الذي كان يفصل بينها وبين بركة قارون ، ومناظر الكبش المطلة عليها . ولما أنشأ جوهر الصقلى القاهرة عام 969م ، كانت البركة تجاهها خارج باب زويلة ، ولم تكن عليها أي مبان ، ثم عمر الناس حولها بعد عام 600هجريا ويقول محمد رمزي في كتابه الكبير متعدد الأجزاء ” القاموس الجغرافي ” إن بركة الفيل لم تكن بركة عميقة ، بل فيها ماء راکد بالمعنى المفهوم الآن من لفظ البركة . و إنما كانت تطلق على أرض زراعية يغمرها ماء النيل سنويا وقت الفيضان ، وكانت تروى من الخليج المصرى ( شارع بورسعيد الآن ). وبعد نزول الماء تزرع الأرض أصنافا شتوية ، وكان أشهر محصولاتها هو القرط المعروف الآن بالبرسيم ، وكانت بركة الفيل تعتبر في دفاتر المساحة من النواحي المربوط على أراضيها الخراج ، ولم يحذف اسمها من جداول اسماء النواحی ، إلا بعد أن تحول معظم أراضيها إلى مساكن .

 

وقد تحولت أراضيها تدريجيا من الزراعة إلى السكن من عام 6۲۰ هجريا ، ولم يبق بأرض البركة بغير بناء إلى سنة ۱۸۰۰م ( أيام الحملة الفرنسية ) والتي رسمت فيها الحملة الفرنسية هذه خريطة القاهرة إلا قطعة أرض واحدة ، أقيم عليها فيما بعد سرای عباس حلمى الأول المعروفة بسرای الحلمية . وفي عام 1894 م قسمت أراضى حديقة السرای وفي عام ۱۹۰۲ م تم هدم السراي وقسمت أراضيها أيضا وتم بيعها للأهالى ، فأقاموا علیها مساكن لهم في المنطقة المعروفة الآن باسم : الحلمية الجديدة .

 

و أما سبب تسمية المنطقة باسم بركة الفيل ، فيرجع إلى الأمير خمارويه بن أحمد ابن طولون ، الذي كان مغرمة باقتناء الحيوانات من السباع والنمور والزرافات ، وأنشأ لكل نوع منها دارا خاصة به . وكانت دار الفيلة واقعة على حافة البركة من الجهة القبلية الشرقية ؛ حيث شارع نور الظلام الآن . وكان الناس يذهبون إلى البركة للنزهة والفرجة على الفيلة ، فاشتهرت بينهم باسم بركة الفيل حتى اليوم . ومن هنا فإن الذين يقولون بأنها حصلت على اسمها لأن شکلها كان على هيئة فيل لا أساس له من الصحة . فقد كانت على شكل بيضاوی مفرطح من جهتيه الغربية والشرقية ، وقد وصفها ابن سعيد في كتاب المغرب فقال إنها كانت دائرة کالبدر ، والمناظر حولها كالنجوم ، کما نقل الوصف محمد بك رمزي في كتابه “القاموس الجغرافي للبلاد المصرية ” .

ودار الفيل هذه غير دار الفيل ، التي كانت على بركة قارون ، واشتراها کافور الإخشيدي أمير مصر ، وحبس فيها بنى مسكين ، فهذه الدار – الأخيرة – كانت واقعة على سكة المذبح من الجهة الشمالية منها جنوبی البغالة بقسم السيده زينب. تلك هي الحلمية القديمة .. والحلمية الجديدة في قلب القاهرة ، فاذا عن الحلمية الثالثة ؟!    •هي الحلمية الموجودة في أقصى شمال شرق القاهرة ، والتي تقع شمال حي الزيتون ، ولهذا للتفرقة بين «الثلاث حلمیات » يقول العامة عن الأخيرة : حلمية الزيتون للتفرقة بينها وبين الحلمية القديمة وسط العاصمة .. وهذه الحلمية الثالثة تقع بين حي الزيتون جنوبا .. وحى المطرية شمالا .  والحلمية والزيتون يتداخلان مع بعضها ، ويتحركان مع خط السكة الحديد الذي يبدأ من كوبرى الليمون في ميدان السكة الحديد . وحي الزيتون يبدأ من حيث ينتهی حي القبة . وأبرز شوارع الزيتون : الغريمان .. سليم الأول الذي اغتصب مصر ، وطومان بای آخر سلاطين المماليك الذي تولى المسئولية بعد هزيمة سلطانه الغورى في مرج دابق . وحاول طومان باى التصدى للسلطان سليم ، الذي زحف على مصر ووصلها عام ۱۵۱۷م. ودارت معارك عديدة إلى أن لحقت الهزيمة بسلطان مصر ، طومان بای ، وشنقه سليم على باب زويلة وسط بكاء وعويل المصريين ؛ حزنا على سلطانهم البطل المقاتل .

 

وهذان الشارعان : سليم الأول وطومان بای يبدآن تقريبا من میدان ابن سندر في القبة جنوبا ، وهما أبرز الشوارع الطولية في المنطقة ، وعلى شرق طومان بای شارع سكة حديد السويس القديمة . أما الشوارع العرضية .. فهي من الجنوب : العزيز بالله ثم نصوح باشا الذي يصب عند محطة الزيتون ، ثم شارع سنان باشا وشارع محمد بخيت ، ثم شارع وميدان ابن الحكم حيث حى الحلمية . أما غرب السكة الحديد في الزيتون ، فنجد شارع عبد القادر الجيلاني ، ثم شارع محطة الزيتون ، ثم شارع عبد الرحمن بك نصر ، وشارع الزيتون ، فشارع النواوی  وفي الحلمية نجد شارع دار السعادة ، ثم محطة الحلمية ، فشارع البشري ، فشارع عين شمس ، وغربا نجد شارع المسيري ، وشارع وابور المياه ، إلى أن نصل إلى شارع المطرية في أقصى الغرب ؛ حيث عزبة خليل رضوان ، وساقية البدارنة . وكان في المنطقة معهد الجمعية المصرية لرعاية العميان على شارع وابور المياه ، ثم طريق المعاهدة غربا ، وشماله جامع المطراوی ، ومحطة الحلمية ، ثم شارع البشرى شرق المحطة ، إلى شارع عين شمس شرقا ، هو وشارع سليم الأول . .

 

وأبرز مباني هذه المنطقة مستشفى الحلمية العسكري ، على شارع سليم الأول نفسه . وكان من أبرز المنشآت في حي الحلمية ” ملهى الحلمية بالاس “، الذي كان الملك فاروق وكبار القوم يقضون فيه سهراتهم . وكان يقدم الفن الراقي من رقص وغناء وموسيقى في أول الليل ، ثم الرقص الثنائي بعد ذلك مع الشمبانيا . فقد كان هذا العصر حتى منتصف الخمسينيات عصر الملاهي ، وقد أغلق الملهى بعد ذلك .

Comments

  • No comments yet.
  • Add a comment