شارع سليم الأول يبدأ من ميدان ابن سندر ويجاور أسوار قصر الطاهرة، ثم يخترق حي الزيتون قبل أن يصل لمحطته الأخيرة وسط حى المطرية. وأهميته التاريخية تنبع من انه يبرهن على حقيقة أن الشوارع هي الساحة الرحبة والمتسامحة القادرة على اصلاح ما أفسدته صراعات البشر واطماعهم على مر التاريخ، فهو يوازي شارع طومان بای، بل ويلتقي به ويصافحه بمودة كفيلة بتجفيف شلالات الدماء التي تدفقت بينهما، فكل منهما ينطلق من نقطة واحدة، ويحتضن نفس القصر وقبل حوالي خمسمئة عام كان التقاء الرجلين او الزعيمين لا يعني سوى اهدار دم احدهما وهذا ما تم فعلا فقد شنق سليم الأول طومان بای وعلقه على احد ابواب القاهرة القديمة وبعد مئات السنين تجاور الشارع. .
اسم الشارع يرجع الى السلطان العثماني سليم الأول الذي ولد عام ۱۹۷٦ ومنذ طفولته المبكرة ظهرت عليه سمات القسوة والغلظة والغطرسة وفي صباه اخذ يراوده حلم اعتلاء عرش تركيا كان الحلم صعبا بل ومستحيلا بالنسبة لأي إنسان وفي يقدر مكارم الأخلاق خصوصا وان عثرة تحقيقه في ثقل حرمة الوالدين والاشقاء. غير ان الفتى سليم لم يكن يأبه بأي شيء يحول دونه والعرش
حتى لو كان دماء اقرب الناس اليه، لذلك لم يتورع عن اشعال نار الحرب على والده السلطان بايزيد حتى خلعه عام ۲۱۵۱ ولحظة تسلطنه مكانه كان قد اعد خطة دموية محكمة للخلاص من ابناء البيت العثماني الذين ثاروا عليه فقتل اخويه الامير احمد والأمير كركور وترك السيوف مساعديه مهمة العبث برقاب
العديد من أبناء أسرة الخلافة وبالفعل نجحوا في ذلك لدرجة أنه لم يسلم منهم سوی من هرب الى حماية اسماعيل الصفوی شاه ایران وقنصوة الفورى سلطان مصر.
وبمجرد أن اطمأن سليم الأول فوق عرش مخضب بدماء اقرب الناس اليه بدأ يتطلع لاعتلاء عرش امبراطورية كبيرة وكان يقف في سبيل تحقيق ذلك عثرتان الأولى هي الدولة الصفوية الشيعية في ايران والثانية الدولة المملوكية السنية في مصر والشام وشبه الجزيرة العربية
سليم الأول بدأ بالاولى وشن حربا شعواء ضد الشاه اسماعيل الصفوى قتل فيها 40 الفا من الشيعة وبفضل انتصاره الساحق كسر شوكة الصفويين وضم الى الامبراطورية العثمانية دياريكر وكردستان واخذ يعد نفسه للانقضاض على اراضي دولة المماليك بالشام وفلسطين تمهيدا لاحتلال القاهرة.
وبسبب مأساة الصفويين التي زلزلت بلاد الشرق في ذلك الوقت قرر السلطان المملوكي قنصوه الغورى الا ينتظر حتى يداهمه سليم الأول في عقر داره فأناب عنه في الحكم طومان باى الذي قيل انه ابن اخته وانطلق بقواته خارج حدود مصر فالتقى بجيوش سليم الأول عند مرج دابق التي تقع في شمال سوريا.
وهناك بدأت وقائع المعركة الشهيرة التي غيرت مسار تاريخ مصر والشرق الأوسط. والجيش المملوكي كان مقسما إلى ثلاثة ألوية مسيرته يقودها خاير بك نائب الفوري في حلب وميمنته يقودها الغزالي اما قلبه فقاده السلطان الغوری بنفسه واثناء المعركة كاد المماليك ينتصرون لولا لجوء سليم الأول إلى سلاحه الأشهر والباتر وهو الخيانة فقد نجح في الاتصال بالقائدين خاير بك والغزالی واقنعهما بالانسحاب نظير تمكينهما من المناصب العليا والأموال بعد فتح مصر. وبالفعل انسحبا بقواتهما من ساحة المعركة لينکشف قلب الجيش بقيادة الفوری الذي قيل أن مرارته انفجرت من صدمة هذه الخيانة، غير انه ظل يقاتل وهو ابن الثامنة والسبعين حتى سقط من فوق جواده وسحق تحت اقدام الخيول ومع خروج روحه ذهبت أمجاد الدولة المملوكية للابد.
وبينما كان قنصوة الغورى يموت كمدا تحت سطوة الخيانة وضياع الملك كان طومان باى في القاهرة يدير حكم مصر بعدل لم يتعود عليه المصريون من سلاطين المماليك او غيرهم لدرجة أن المؤرخ الشهير ابن اياس وصفه قائلا:
كان محبا للعوام لين الجانب قليل الاذى غير متجبر ولا متكبر كما كان قوی الشكيمة لا يلين وزاد حبه للعدل والإنصاف شعبيته بين الرعايا).
– قبيلة بين الرعايا). غير أن هذا العدل والتسامح لم يستمرا طويلا فقد هبت الأخبار محملة بهزيمة وقتل السلطان الغورى في مرج دابق وكان على طومان بای آن ينتزع ابتسامة التسامح من فوق وجهه ويتمنطق بقسوة لباس الحرب ورغم أن خزينة البلاد في ذلك الوقت كانت شبه خاوية الا انه رفض اقتراحا بجمع مايلزم من نفقات لمواجهة سليم الأول من الشعب واصر على خوص الحرب بالامكانيات المتاحة، وواجه سليم الأول عند الريدانية التي يحتل حي العباسية الان جانبا منها. ودارت بينهما معركة تفوق من حيث الشدة معركة مرج دابق وابلى فيها طومان بای بلاء حسنا وخاض في قلب الجيش العثماني لدرجة انه قتل العديد من كبار قادته وكاد يقتل سليم الأول نفسه غير ان مدافع العثمانيين الحديثة في ذلك الوقت حسمت المعركة وتمكن سليم الأول من دخول القاهرة بعد انسحاب
طومان باى الذي لم ييأس وهاجم سليم الأول في معسكره الذي أقامه على ساحل بولاق ولكنه هزم مرة اخرى وانفض عنه جنوده فلجأ الى صديقه حسن بن مرعي زعيم قبائل البحيرة فآواه مرحبا وعاهده على الوفاء ولكنه لم يبر بعهده بل وارسل الى سليم الأول يبشره بأنه يحتفظ له برأس طومان بای فما كان منه الا أن أرسل 400 من جنوده تمكنوا من اعتقاله وحملوه مقيدا الى القاهرة جنود سليم الأول قادوا طومان بای من سجنه الذي كان في حي امبابه الى باب زويلة لكى ينفذوا فيه حكم الإعدام، وقيل أن موكبه الاخير هذا كان تاريخيا فقد كان يسير رافع الرأس يسلم على الناس طوال الطريق وعندما وصل الى ساحة الاعدام عند باب زويلة طلب من الحاضرين أن يقرأوا له الفاتحة ثلاث مرات، ثم التفت الى الجلاد وامره بتنفيذ اعدامه فورا، غير أن حبل المشنقة انقطع مرتين كأنه يأبى شنق الفارس الشجاع الذي اصر على مقاومة بطش سليم الأول
النهاية ولم يلتفت الى طلب سليم الصلح منه وكذلك اشادته بفروسيته وشجاعته التي نقلها العديد من المؤرخين ومنهم المؤرخ ابن ایاس الذي وصف لحظة اعدام طومان باي قائلا: عندما تم الشنق وفاضت روحه صرخت عليه الناس صرخة عظيمة وكثر عليه الحزن والأسف وكان عمره نحو 44 سنة وثبت في الحرب.
بموت طومان بای دانت الأمور للسلطان الدموى سليم الأول واصبح خليفة على المسلمين بعد دخوله مكة والمدينة وغربت للابد شمس دولة المماليك ووقعت مصر فريسة للاحتلال العثماني الذي سيطر 400 عام بدأت عام ۱۰۱۷ وانتهت عام 1914 باعلان بريطانيا حمايتها على مصر وانهاء السيادة العثمانية.
يبدا شارع سليم الأول بحديقة واسعة تتوسطها مسلة هي آخر ما تبقى من آثار مدينة عين شمس الفرعونية وتبدو منزعجة من فراق اخواتها اللاتي سرقهن المستعمرون ويتوجن الان اشهر ميادين اوروبا وأميركا . ومن الحافة المقابلة يبدأ الشارع بامتداد سور قصر الطاهرة وخلفه الأشجار المالية التي تخفي ماضيا ملكيا.
مدخل الشارع تحتله عجوز تعاني من اغماء دائم وخلفها مباشرة سور بيت قديم يتصدر خلفية عمارة عالية، ويمهد لمحلات ومنشآت الشارع التي تبدا براديو الاتحاد وفيلا صغيرة تزهو باستدارة واناقة شرفتيها.
محلات النيل ۲۰۰۰ تقع على ناصية الشارع وتفضى الى متحف عفت ناجي وسعد الخادم وامامه تطل واجهة محل باتا في عمارة عالية تجاورها مكتبة نجمة سليم.
مقهى الف ليلة وليلة من أشهر مقاهي الشارع وهو يزدحم كل يوم اثنين بالعديد من الأدباء والمفكرين الذين يفدون اليه من مصر ومختلف البلدان • العربية ومنهم جابر عصفور والسيد ياسين وبهاء طاهر وجمال الغيطاني ومحمد البساطى ويوسف القعيد وادوار الخراط والشاعر العراقي غيلان والكاتب الفلسطيني عبد القادر ياسين وغيرهم وسبب اقبالهم على هذا المقهى انه يواجه مقر حزب التجمع الذي يقيم فيه الشاعر المعروف شعبان يوسف ندوة اسبوعية
تحت عنوان (ورشة الزيتون الابداعية) وتقام به الان سلسلة من الندوات لدعم كفاح الشعب الفلسطيني.
مقر حزب التجمع بالشارع يواجه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وجمعية الشهيد الأمير تادرس التي تجاور مبنى قديم وبالقرب منهما غابة من الأشجار الكثيفة تخفي قصرا امام محطة وقود تتبعها عمارات حديثة تحتوي على عدد من المحلات منها مطعم التركي ومعارض السعادة وساعاتي القاهرة الذي يقع امام مدارس الجمهورية الخاصة.
مدرسة الجامعة الاسلامية الاعدادية بنين تقع بالشارع بالقرب من فيلا انيقة محاطة بغابة من الأشجار الكثيفة ويملكها رجل أعمال كويتي وبعدها بيت قديم رغم انه يعاني من هجر أصحابه الا أن طابقه الارضى عامر بمحلات ابرزها منجد الزيتون ومعرض الأحذية الحديثة.
البيت الذي ينتمي لاسلوب عمارة بداية القرن العشرين حيث ارتفاع الجدران واتساع وزخرفة البلكونات يمهد لظهور واجهة كنيسة الأقباط الكاثوليك التي تقع امام مدخل مستشفى جمعية الاقباط بالزيتون وبعدها يواصل الشارع امتداده حتى يصل الى نهايته على اعتاب حى المطرية.