شارع نوبار

 

 

شارع نوبار باشا اكثر شوارع القاهرة الشهيرة توافقا مع اسمه.. فهو اسم على مسمى حيث يحافظ على مكانته کشارع لكبار الموظفين الحكوميين منذ بواكير العصر الحديث حتى الآن.
في بدايته كان شارع نوبار مقرا دائما ووحيدا للدواوين وهي الاسم الاول او الأصلي للنظارات التي تحولت بعد ذلك الى الوزارات . ومازال مبنى الدواوين الذي يعد اول مبنی خصص للموظفين الحكوميين في مصر والشرق كله في العصر الحديث قائما بالشارع حتى هذه اللحظة.

 

كما أن شارع نوبار في وضع الراهن عبارة عن ساحة مستطيلة مزدحمة دائما بالموظفين الذين يعملون في المؤسسات والوزارات التي تتلاحم على ارضه وتحيط به من كل جانب.. لكل ذلك فان اسم نوبار باشا كان ومازال يناسبه تماما فقد كان اكفا موظف مصرى طوال سبعة عهود بدأت بمحمد على باشا وانتهت مع عباس حلمي الثاني وربما بسبب أهمية الاسم كان هذا الشارع على رأس قائمة شوارع القاهرة النادرة التي نجت من (هوجة تغيير اسماء الشوارع بعد ثورة يوليو ۱۹۰۲.

 

 

شارع نوبار پرجع فضل تعميره والمنطقة المحيطة به خصوصا من ناحية شارع قصر العينى الى اسرة محمد على باشا فقد كان قبلها جزءا مهملا من حقل كان يملكه قاسم بلك ثم آل بعده الى وهبي بله وكانت المنطقة المحيطة به تكاد تختنق تحت ثقل اطنان القاذورات والنفايات، ومايدلل على ذلك أن المؤرخ المعروف على باشا مبارك وصفها في خططه قائلا: كانت عامرة بالخراب والدمار والكثير من التلال فاذا هبت الريح فهى القيامة ولا ترى الا غبارا منبثا على البيوت متلفا للصحة وللعيون حتى قيض الله تعالى لها محمد على باشا فأخذ في مداواة امراضها شيئا فشيئا وحذا حذوه من تولى الملك من عائلته حتى اكتسب حلل ، البهاء ونضارة المشاهدة الآن).

 

اسم الشارع يرجع الى نوبار باشا الذي رغم أصوله الاجنبية كان أول رئيس وزراء تشهده مصر في العصر الحديث ودوره السياسي مازال موضع خلاف بين المؤرخين المعاصرين فمنهم من قطع بالقول بأنه واحد من أبرز الذين باعوا مصر للاجانب وسهلوا لهم استنزاف خيراتها على الوجه الأمثل، وعلى نقيض ذلك هناك من وصفه بأنه أول من نادي بان مصر للمصريين وبأنه كان مصلحا دستوريا وبفضل جهوده الفيت سخرة المصريين وأخضع الأجانب الذين كانوا يقيمون في مصر للقضاء.

وبغض النظر عن اختلاف المؤرخين حول دوره السياسي فإن نوبار نوبريان باشا عاش حياة حافلة على جميع المستويات وتنقل بين مناطق متباينة والتقى وتعامل مع شخصيات من جنسيات مختلفة مما وفر له تجربة تشبه الى حد كبير سير ابطال الملاحم الشعبية.. فقد ولد يوم 4 يناير عام ۱۸۲5 لأسرة متواضعة كانت تقطن احدى القرى التابعة لدولة ارمينيا في شرق أوروبا.

 

وفي صباه هاجر مع اسرته الى ازمير بتركيا ومن هناك التحق والده بالصدفة بالعمل في بلاط محمد على باشا الذي سرعان ما وثق به وعينه معتمدا سياسيا ای سفيرا له في الاناضول ثم باريس ثم عين ابنه الكبير شفيق نوبار سكرتيرا ومترجما خاصا له.

 

 

وبفضل هذه الثقة وتلك المناصب تمكن نوبار الصغير من الدراسة في مدرسة بروتستانتية في جنيف ثم واصل تعليمه في فرنسا واتقن عدد من اللغات منها الانجليزية والفرنسية واليونانية والتركية.
وفي عام ۱۸۶۲ حينما كان عمر نوبار باشا ۱۷ عاما تم استدعاؤه من باريس . ليعمل مترجما في ديوان محمد على باشا وكان وراء تمكينه من هذه الوظيفة المرموقة جهود خاله بوغوض بك يوسفيان الذي كان أحد قادة الجنود الأرناؤوط في مصر، ثم تولى مسؤولية العلاقات الخارجية في حكومة محمد على باشا. وبفضل اتقانه لعمله تدرج نوبار في المناصب حتى اصبح سكرتيرا خاصا لولى العهد ابراهيم باشا، ثم مديرا للسكة الحديد والجمارك، ثم وزيرا للاشغال والخارجية.

 

 

غير ان نوبار باشا الذي عمل مع سبعة حكام في مصر اولهم محمد على وآخرهم عباس حلمي آخر خديو لمصر قبل أن تصبح سلطنة ثم مملكة لم يبلغ ذروة المناصب السياسية العليا سوى في عهد الخديو اسماعيل الذي استدعاه في غرة شهر رمضان ليكون اول رئيس وزراء في تاريخ مصر الحديث وكانت حكومته تضم سبع وزارات فقط بناء على الأمر العالى الذي اصدره اسماعيل باللغة الفرنسية وهي الخارجية والحقانية (العدل والداخلية والجهادية (الدفاع) والأوقاف والمعارف والاشغال وتولى نوبار بجانب مهام رئاستها وزارتی الخارجية والحقانية، كما تولى على باشا مبارله ثلاث وزارت هي المعارف والاشغال والأوقاف.

 

في تلك الفترة من تاريخ مصر الحديث كان الفرنسيون والانجليز بحجة ديون الخديو اسماعيل يتدخلون بل ويسيرون جميع الأمور السياسية والاقتصادية على هوى مصالحهم الاستغلالية وبسببهم لم يهنا نوبار باشا بحرية اختيار وزراء حكومته بل أجبر على اعفاء على مبارك من منصب وزير الأشغال وعين بدلا منه وزيرا فرنسيا اسمه بلنير ,كما قبل صاغرا اضافة وزارة جديدة لحكومته هي وزارة المالية التي أسست خصيصا للانجليزي ويلسن وكانا اول وزيرين اوروبيين في الحكومة المصرية وربما بسبب قوة نفوذهما استقال نوبار باشا وحكومته في ۲۳ فبراير عام ۱۸۷۹ في أعقاب مظاهرات الضباط المصريين الأولى.

 

غير ان نوبار باشا الذي يبدو انه كان يتميز بمرونة زائدة في سبيل الحصول على المناصب لم يجد ای حرج في قبول منصب رئاسة الوزارة مرة اخرى عندما . عرضه عليه الخديو توفيق بعد أن استقال شريف باشا اعتراضا على طلب الانجليز اخراج الجيش المصري من السودان.

 

 

شكل نوبار وزارته الثانية في 10 يناير عام ۱۸۸4 وظل في منصبه حتى 1 يونية ۱۸۸۸ وخلال هذه الفترة نفذ تعليمات الانجليز بدقة يحسد عليها وسارع بسحب الجيش المصري من السودان وهذا ما اعطى وجامة لاتهام منتقديه وخصومه له بانه كان عميلا للاجانب في مصر غير ان ذلك لم يشفع له فقد اقاله الخديو توفيق وسافر الى فرنسا وظل هناك حوالي خمس سنوات بتعين الفرصة للعودة التي تمت بأمر الخديو عباس حلمي الثاني الذي اعاده الى منصب رئاسة الوزراء عام ۱۸۹4 لكنه في هذه المرة لم پمر طويلا لقد قدم استقالته بعد عام واحد وغادر مصر للمرة الأخيرة إلى فرنسا.ولكن يبدو انه كان قد تعود على مناخ مصر وطبيعتها وناسها وحراكها السياسي وقبل ذلك مناصبها فبعد خمس سنوات بالضبط مات ليطوى صفحة انسانية حافلة بالكفاح والصبر والمناورة والتقلبه وطوال الفترة التي قضاها في مصر خاض نوبار باشا مارلك عديدة منها معركة الاستمارات الأجنبية التعسفية التي فرضت على مصر بسبب تخبط سياستها المالية كما كان من رجال الاصلاح القضائي الذين عملوا على إخضاع الأجانب لقوانين القضاء المصري في لترا كان ذلك علما مستحيلا فى ظل حماية الدول الأجنبية لرعاياها داخل مصر.

 

كما كان نومار باشا أحد الذين حاولوا تقل الحضارة الأوروبية لمصر ولی سبيل الله وقع ضحية للاوروسين الذين اثاروا الخدير اسماعيل عليه فلقاء الى فرنسا لكن اهم مايذكره المصريون لتوبار باشا حتى الآن هو تلك المعركة الشرسة التي خاضها ببسالة حتى نجح في الغاء السخرة نهائيا من مصر عام ۱۸۹۰ .
پیدا شارع نوبار بمبنى دار الهلال ومدرسة المبتديان الثانوية التجريبية اللغات وبعد ان يتقاطع مع شارع محمد عزب العرب تتواجه على ناصيته مدرسة المبتديان الثانوية للبنين ومستشفى المنيرة العام وواجهة مدرسة الخديو اسماعيل الثانوية العسكرية التي تتميز ببوابة عتيقة تشبه بوابات بيوت الأعيان في القرون الوسطى ويحط فوقها نسر ضخم قلبه ينعبارة عن الألوان الثلاثة لعلم مصر.

 

 

الهيئة العامة للتأمين الصحي فرع القاهرة تقع داخل قصر صغير يجمع بين القدم والاناقة ويقع على ناصية عطفة ماهر باشا بالشارع وبجواره مدرسة ثانوية تصر على الوفاء لاسم الشارع القديم وهو الدواوين ودار «غريب» للطباعة والنشر في مبنى صنعت واجهته من الحجر ومحل صيدناوى الذي يفری زبائنه بتخفيضات الموسم ثم مبنى الدواوين المهيب الذي يعد أول مؤسسة للموظفين في مصر الحديثة وهو يتكون من ثلاثة طوابق شاهقة الارتفاع والاتساع تحتوي على شبابيل ضخمة ويناسب تماما رحابة القرن التاسع عشر وهو يعاني من إهمال شديد وما لم يسعفه الترميم الفوري فسيزول تماما من الوجود فساحته التي مر منها العديد من الأمراء وكبار السياسيين وفي جنباتها كانت تدار امور مصر نزلت من علياء تاريخها المجيد لتقبل أن تتحول الى مجرد ساحة لانتظار السيارات وشبابيكه الضخمة تحولت الى مصدر قلق للمارين من الشارع بسبب استعدادها الدائم للسقوط فوق رؤوسهم وامامه مباشرة مجنون پنط لي نوم عمیق تحت بطانية زرقاء والغريب أن كل ذللك يتم تحت اعين المجلس الأعلى للاثار الذي لم يجد ادئی حرج من اقتطاع جزء من المهني العتيق وخصصه لراحة موظفي قطاع التمويل فيه بعد مبنى الدواوين في شارع نوہار بتسع میدان محمد بلد لاظوغلي الذي كان کتخدا مصر ای نائبا للوالي في عهد محمد على باشا ورغم تعدد ماثره الوظيفية والسياسية ومنها انه اسس الدواوين والمصالح الحكومية وكان الساعد الأيمن لمحمد علي في تحديث مصر إلا أنه كان يتميز بعيب سياسي خطير وهو عدم التورع عن محاربة خصوبة بكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة ومنها انه كان يتجسس عليهم ويدس لهم لدى الباشا ومما يدلل على ذلك ما رواه صاحب کتاب «تقويم النيل، حيث اكد ان جواسيسه بناء على اوامره كانوا يتسللون خفية إلى المقاهي التي كان يرتادها السياسيون والوطنيون وكذلك بيوت الأعيان وينقلون مايدور فيها من مناقشات ومحاورات سياسية ويبعثونها اليه من خلال رسائل سرية كانوا يضعونها في فتحة باب بيت كان يقع في حي السيدة زينب القريب من الشارع وضمانا للسرية كان كل منهم يضع رسالته الجاسوسية في وقت معين من اليوم وكانت تقيم في هذا البيت المخابراتی سيدة تجيد اللغتين العربية والتركية كان محمد على اعتمد عليها في تعليمه مباديء اللغة العربية وكان دورها في التجسس ينحصر في استقبال رسائل الجواسيس ثم نقلها الى القلعة حيث مكتب محمد بله لاظوغلى.

 

 

وسط الميدان تمثال شامخ يعرف على المستوى الشعبي والرسمي بانه تمثال نائب والي مصر محمد بك لاظوغلى في حين أنه في حقيقته تمثال لواحد من عامة الناس وأبسطهم فرغم ان الحكومة المصرية في ذلك الوقت ارادت اقامته في هذا المكان من اجل تخليد ذكرى (لاظوغلى) الا انه لا يرتبط به سوی بالشبه.

 

 

فقد عهد خديو مصر الى محافظ القاهرة احمد باشا الدرة عام ۱۸۹۹ بمهمة ايجاد صورة لمحمد بله لاظوغلى لاقامة تمثال له فوقع المحافظ في ورطة شديدة لأنه لم يجد هذه الصورة واثاء بحثه عن مخرج لهذا المأزق الذي ربما يفقده منصبه وجد بالصدفة أثناء تجواله في حي خان الخليلي سقاء يشبه الى حد كبير محمد بك لاظوغلى فامره على الفور بالحضور الى مبنى المحافظة فجاء السقاء يرتعد على اعتبار أنه سيعاقب على جرم لم يرتكبه كما العادة واذا به يجد نفسه أمام حلة نائب الوالي لاظوغلى وسيفه وعمامته وقبل أن يبلع ريقه البسها له المحافظ بيديه وامر مصور المحافظة بان يلتقط له صورة ثم ارسلها الى الخديو باعتبارها صورة لاظوغلى وبالفعل صنع التمثال على شكلها بالضبط ونصب في مكانه الحالى وسط شارع نوباراد على مشارف الميدان تقع وزارة العدل في مبنى شاهق يسنده من الخلف مبنى وزارة المالية ويواجهه فناء مدرسة مصطفى كامل الذي يكاد يتداعى على المارة وبالقرب منها مدخل شديد السواد والمهابة ويفتح مباشرة على وزارة الداخلية أمامه مباشرة تاكدت أن شكلي وانا اسجل منشآت الشارع يثير الريبة حيث داهمني فجاة أحد الجنود وأمرني بالمثول أمام الضابط المسؤول فذهبت معه صاغرا ومرتجفا فسألني الضابط عن محتوى ما أسجله في عرض الشارع  فاضطررت للكذب وقلت له إنني أجمع مادة بحث عن أساليب عمارة القاهرة لأن حقيقة أنني أجمع مادة صحفية ريما تكرس الريبة وقبل أن أهم بتأكيد أهمية البحث الوهمي الجمني باشارة مفادها أن أفر من أمام المدخل فاندفعت مسرعا .

 

 

هذه الريبة كنت استهين بها عندما كنت أراها في عيون اصحاب المحلات الذين يظنون اني مندوب للضرائب ولكن هذه المرة اقتنعت تماما بأني اقوم بعمل مريب وربما جريمة اثناء اندفاعي في الشارع تجاه نهايته عند اتساع میدان باب اللوق تتباعت في الشارع مبانى المركز الدولى للتسويق والتجارة ومدرسة عابدين الثانوية للبنات وبرج شامخ يسمى ۱۶۹ نوبار وفرع محلات التوحيد والنور للملابس الذي يجسد بداية المنطقة التجارية في الشارع فبعده محلات الاسراء والسلام ومبنى قديم المحلات صيدناوي تحول إلى ورشة لاصلاح السيارات وعقار متهالك لفاروق فانوس تجاوره محطة وقود تلتصق بها عمارة كبيرة امام واجهتها مباشرة يجلس ماسح احذية عجوز يخفف عن نفسه بمغازلة بائعة مناديل تكبره بسنوات.

 

بعد عمارة «سترانده الضخمة والعامرة بالعديد من مكاتب المؤسسات الحكومية والخاصة يمر شارع نوبار سالما بعد ان يتقاطع مع شارع التحرير التتزاحم على جانبيه صيدلية الأزهار والتميمي للهواتف وعبدالهادي الحلواني مما يبشر بانه سيواصل الامتداد ولكن عند عقار ضخم ومزدحم بالمحلات يلفظ شارع نوبار فجأة انفاسه الأخيرة على أعتاب شارع هدى شعراوی.

 

 

 

 

 

 

Comments

  • No comments yet.
  • Add a comment