حي شبرا

 

حي شبرا من اكثر احياء القاهرة الكبرى ازدحاما وخصوصا من أبناء الطبقة الوسطى التي على شفا انقراض النهائي والتي ترجع اصولها في الغالب الى طبقة المتعلمين أو الأفندية. حسب الوصف الشائع. الذين ساندوا بل وفجروا ثورة ۱۹۱۹ ، ورغم أنه لا يتمتع بتاريخ مديني طويل مثل غيره من الأحياء العريقة فقد كان مجرد قرية من اعمال محافظة القليوبية ولم ينضم الى القاهرة ادارية الا في منتصف خمسينيات القرن الماضي ، الا انه في فترة زمنية قصيرة مر بتقلبات مذهلة ربما لم يحظ بها غيره من احياء القاهرة الكبرى، فمن قرية صغيرة ومهملة وعشوائية تحول نجاة الى رئة خضراء وحدائق للقاهرة الأوروبية التي بناها الخديو إسماعيل ، ومنتجع ريفي متسع ومنعش لامراء الاسرة المالكة التي ما زالت شرفاتها تطل على شوارعه وحاراته حتى الان ، وان كانت تخلت مرغمة عن طابعها الملكى وتوحلت الى مدارس ومنشات حكومية بعد ثورة يوليو ۱۹۰۲.

 

 

وبين القصور الملكية وتحولها الجمهوری مر حي شبرا بفترة ساخنة شهد فيها تداخل الحضارات بالمعنى الحرفي للكلمة وهو ما انفرد به بين أحياء القاهرة . فضلا عن العديد من اسر الأقباط ومن أبرز احفادهم المفكر میلاد حنا والناقد غالي شكري والمطربة سيمون .. سكنته الجالية الشامية بما فيها من تجار وحرفيين ومبشرين كاثوليك بجوار الجاليات الأوروبية التي كان معظم أفرادها . من فقراء شرق ووسط أوروبا الذين هاجروا الى مصر بحثا عن فرصة عمل ، ولا غرابة في ذلك فقد كانت مصر بفضل مشروعات محمد على قبلة لراغبي العمل من كافة انحاء أوروبا .

 

وكان منهم عمال مهرة من الايطاليين واليونانيين والقبارصة ومن أشهر ابنائهم الذين ولدوا في شبرا المطرية داليدا .
شبرا كلمة قديمة احتار المؤرخون في أصولها ومعناها فمهنم من قال إنها فرعونية وتعني المكان أو الموقع ، ومنهم من أكد انها قبطية وتعني عزية ، وكل منهما وخصوصا الأخير يؤكد انها كانت عبارة عن حقول زراعية وسطها بعض البيوت لسكن زراعها . أما الطابع الملكي فقد بدأ يتسلل الى شبرا عندما اتخذها محمد على مكانا لتنزهه وراحته بعيدا عن رسميات اعباء قلعة صلاح الدين، وشق فيها طريقة تظلله الاشجار وفي اخره أي في نهاية شبرا شيد قصره الذي مازال قائما حتى الان وداخله كلية الزراعية بشبرا الخيمة وهو القصر الذي صور فيه المخرج صلاح او سيف مشاهد فيلم ” القاهرة 30″ المأخوذ عن رواية النجيب محفوظ .

 

 

طريق محمد على الأصل الملكي لحي شبرا وفيه قتل ابن الجبرتي المؤرخ الشهير الذي وصف شبرا بأنها عبارة عن طريق مشجر ومحاط بالحدائق كان المهرب الطبي والمنعش لمحمد على باشا عندما يقرر الخروج للتنزه بعيدا عن سعير مؤامرات القلعة، لذلك فقد كان فضلا عن الاشجار الوارفة محاطأ بالقصور التي يعود معظمها الى امراء الاسرة المالكة خصوصا الذين بفضل قانون الوراثة لم يتمتعوا بصولجان الحكم ومنهم طوسون باشا ابن محمد على الذي يوجد للان شارع باسمه في حي شبرا بجوار مدرسة التوفيقية وفي نهايته كان يوجد قصره الذي تحول الى مدرسة شبرا الثانوية ، اما الاصل الشعبي الشبرا فهو أقدم كثيرة ويرجع الى قرية منية السيرج التي كانت مكان شارع يتخذ نفس الاسم وهو من اشهر واضيق الشوارع الشعبية في حي شبرا .

 

قرية منية السيرج كان لها عمدة وتتبع محافظة القليوبية واخر عمدها توفي عام 1945 وعن تلك الفترة من تاريخ الحي أو القرية يقول الناقد الكبير فاروق عبد القادر .
كانت قرية بكل الملامح التقليدية للقرى المصرية، بمعنى أنه كان لها عمدة وشيخ خفراء ودوار به حجرة للتليفون وفيها اجران قمح وأسواق وترع صغيرة .

 

 

وباقي ملامح القرية المصرية المحاطة بالحقوق الزراعية وفي منتصف الخمسينيات بدأ العمران يزحف على الأرض الزراعية بقسوة .
فاروق عبد القادر أبن أصيل لحي شبرا فقد كان احد اعمامه اخر عمد منية السيرج وأضاف أنه بعد شارع دوران شبرا كانت المباني قليلة جدا وكانت هناك منطقة على يسار الداخل الى شبرا من ناحية ميدان رمسيس تعرف باسم حدائق شبرا وكانت عبارة عن قصور وفيللات ، وحديقة زينب هانم التي كانت إحدى أميرات الاسرة المالكية واطلق اسمها على أحد شوارع شبرا .

 

 

منية السيرج وباقي أراضى حي شبرا كانت مشهورة كما أضاف فاروق عبد القادر بزراعة مشاتل الورد والخضراوات التي كان لها سوق وسط شبرا وتم نقلها منذ عشر سنوات وسط اعتراضات التجار وتحول مكانها الى حديقة وقصر ثقافة روض الفرج.

 

شبرا بما فيها قرية منية السيرج انضمت الى القاهرة اداريا في خمسينيات القرن الماضي وبعد ذلك كما أكد عبد القادر تطاولت وكثرة فيها المباني على حساب الحقول الزراعية ، وفي تلك الفترة ظهر بها الكثير من الأحياء العشوائية.

 

وهي الان احياء القصيرين والخمايسة والزاوية الحمراء ، وهي جميعا كانت عزب صغيرة تابعة لمنطقة شبرا وتمتد حتى حي المظلات .
منطقة شبرا حول منية السيرج كانت مزدحمة بالترع الصغيرة التي ترجع أصولها او منبعها كما أكد فاروق عبد القادر الى ترعة كبيرة أو رئيسية كانت تبدأ من المكان الذي يحتله الان مبنى الاذاعة والتليفزيون ثم تمر فوق الأراضي التي بها الان شارع الجلاء وبعده تمر بجوار میدان رمسيس ثم تصل من خلال شارع الترعة البولاقية الذي اتخذ اسمه منها الى ميدان فيكتوريا الذي يقع في قلب شبرا ويعود اسمه الى ملكة انجلترا فعندما جاءت الى مصر أصرت على زيارة حي شبرا للاطمئنان على احوال الجالية الأوروبية التي كانت تستوطنه.

 

 

في قلب میدان فيكتوريا كانت ترعة شبرا تنقسم الى فرعين ، احدهما يتجه الى المكان الذي تحتله الان شركة الادوية وشارع عبد الحميد الديب والثاني يتجه الى منطقة الشيخ رمضان وشارع أحمد حلمى الصحفى الشهير والشخصية الثانية في صحيفة ” اللواء ” بعد الزعيم مصطفى كامل وهو مؤسس صحيفة ” القطر المصري ” وأول من اتهم بالعيب في الذات الملكية وهو جد الشاعر الاشهر صلاح جاهين ويعود اطلاق اسمه على الشارع الى سببين احدهما سياسي يتعلق بتاريخه الوطني الحافل ، والثانى اسرى وجغرافي فقد كانت اسرته من أهم عائلات شبرا كما كانت تمتلك قصرأ بالشارع بالقرب منه كان قصر الزعيم محمد فريد الذي كان ضمن أشهر سكان حي شبرا .
ومن ناحية اخرى كان حي شبرا معقلا لاهم معسكرات الانجليز اثناء الحرب العالمية الثانية ، وكانت مهمة تلك المعسكرات كما أكد فاروق عبد القادر حماية مداخل القاهرة وقد رحلت القوات الانجلزية نهائية عن الحي والقاهرة كلها واستوطنت قناة السويس بعد معاهدة عام ۱۹۳۹ .

 

اول حى شبرا من ناحية ميدان رمسيس كما أكد فاروق عبد القادر كان له طابع أجنبي فقد كان سكانه من فقراء الجاليات الأوروبية وخصوصا من الايطاليين واليونانيين وتلك المنطقة هدمت وحل محلها میدان أحمد حلمي وجزء من شارعه ووسطها كان يمتد شارع بعرف باسم النخله كان مركزا للحانات والكباريهات الصغيرة . و اما جزيرة بدران شمال شبرا فقد كانت بها جالية شامية كبيرة ، ومازال احفادها يعيشون في حي حتى الآن، لذلك فإن أهم شوارع تلك المنطفة يعرف باسم قصور الشوام .

 

شبرا اول محطة بالنسبة للقادم القاهرة من الدلتا وبها مركز مهم هو محطة اتوبيسات الدلتا التي يسميها اهالی شبرا ومنهم فاروق عبد القادر تجاوزا ” مطار المنوفية ” بسبب كثرة الوافدين من محافظة المنوفية للعيش بشكل دائم في حي شبرا ويبدو أن ذلك يضايق اهالی شبرا الاصلاء، فها هو فاروق عبدالقادر يقول ساخرا ” ونحن صغار كنا نقول ان ام المنوفي تلده على الطريق الزراعي وتشير له الى شبرا وتتركه وحيدا فيتجه تلقائية الى شبرا ليبدأ رحلته في «الحياة» وقد كان المنوفي كما أضاف عبد القادر ينزل حي شبرا ومعه ورقة بها عنوان احد بلدياته ولأن “المنايفة ” يتميزون بالبخل فقد كانوا بمجرد ان يصل أحدهم إلى ذويه في الحي يقومون فورا بالبحث له عن عمل ومسكن في شبرا حتى يتخلصوا منه ، وقد كان المنوفي وريما الى الان يبدأ حياته في الحي” بقلى الطعمية أو بيع عصير ” العرق سوس ” وكلها مشاريع لا تحتاج سوى القليل من المال ، مما يساعده على استيطان شبرا الى الابد ، لذلك فإن 95 في المئة من سكان المنطقة خلف جامع الخازندار بعد دوران شبرا تعود اصولهم الى المنوفية ومنهم الناقد الراحل غالي شكري.

 

 

حول المنطقة التي كانت تتوسطها سوق روض الفرج كما أضاف فاروق عبد القادر هناك طائفة وافدة اخرى هم الصعايدة وكان أشهرهم قبيلة صعيدية منها نائب المنطقة في البرلمان كرم زيدان الذي ترجع اصوله الى سوهاج وكان وفدية واعلن انه مستعد لدفع خمسة ملايين جنيه نظير تراجع الحكومة عن نقل سوق روض الفرج من المنطقة ، كما كان والده اکبر تاجر في السوق لذلك فقد كان الصدر الرحب للعديد من راغبى العمل من فقراء الصعيد ، ولكن للأسف قتل في حادثة ثأر وسط السوق ، وظل قتلته بعد أن أطلقوا عليه النار واقفين فوق جثته حتى يتم القبض عليهم كعادة الصعايدة الاصلاء الذين لا يعتبرون أخذ الثأر عيبا .

 

 

في الافلام العربية القديمة كان الخروج من القاهرة الى الريف وعزب الباشوات والاقطاعيين يعني الخروج الى مزارع وعزب شبرا لذلك فعلى اراضي شبرا أيام أن كانت حدائق ومزارع مثلت فاتن حمامة ومديحة يسري ولبنى عبدالعزيز ومريم فخر الدين وغيرهن من رائدات ورواد السينما العربية ابدع افلامهم ، وكان ضمن سكان منية السيرج ايام كانت قرية . حسب رواية فاروق عبد القادر بممثل محدود الشهرة اسمه إبراهيم الجزار وعمل في العديد من الفرق المسرحية ، وعندما عمل مع يوسف وهبي اختلف معه وشتمه على مرأى من الفرقة والمشاهدين فما ، كان من يوسف وهبي الا أن انتقم منه ومن المنطقة كلها على شاشات السينما من خلال فيلم ” بنات الريف “ففي هذا الفيلم يظهر البطل يوسف وهبي في مشهد خلفيته مدخل قرية منية السيرج ويقول ” وفضلنا مشيين لحد منية السيرج وهي كلها لصوص وقطاع طرق ..

 

 

فاروق عبد القادر خريج كلية الاداب عين شمس عندما كانت في حي شبرا امام جامع الخازندار ومكانها الان كلية الهندسة وقبلها كانت بها مدرسة فيكتوريا كوليج ، وعن أساتذته الذين ردسوا له في شبرا يقول إنهم كانوا ثلاثة من أبرز المشغلين بعلم النفس في مصر ، أولهم رئيس القسم وهو د. مصطفى زيوار ذلك الاستقراطى الذى تعود أصوله الى تركيا ودرس في فرنسا في ثلاثينيات القرن الماضي وعاد في الأربعينيات بعد أن حصل على الدكتوراه والثاني يوسف مراد صاحب جمعية علم النفس التكاملي التي كان من أهم إضافاتها مجلة علم النفس ومن أهم تلاميذه د . مصطفى سويف عالم النفس الشهير ووالد الروائية أهداف سويف، أما الثالث فهو د. مصطفى صفوان الذي كان منحازا للفكر الماركسي .

 

 

وضمن أبرز المعيدين الذين درسوا له في كلية الاداب بحى شبرا ذكر فاروق عبد القادر الكاتب أنيس منصور ووصفه بأنه كان أفاكا من البداية للنهاية فقد كان يزعم أنه استاذ للفلسفة في الكلية رغم انه دخلها معيدة وخرج منها معيدة ولم يحدث أن ابعد منها لأسباب سياسية كما يدعي فالذي حصل انه كان يعمل معيدا في قسم الفلسفة في اداب عين شمس بحي شبرا وفي نفس الوقت كان يحرر بابا في الأخبار تحت عنوان ” اخبار الادب ” وفي عام 1956 صدر قانون يحرم الجمع بين وظيفتين فكان عليه أن يختار بين الجامعة واخبار اليوم وفي ذلك الوقت كان مهددا بترك الجامعة فهو خريج عام 1946 واستمر طوال هذه الفترة دون أن يحصل على الماجستير لذلك اختار ” اخبار اليوم ” وعلى الفور رفع مصطفى وعلى أمين اجره الى 400 جنيه في الشهر ومن يومها بدا يقوم بدور المثقف . بالكسر. لأصحاب ” اخبار اليوم ” .15
حي شبرا نظر لثراء عالمه وعلاقاته وتمدد أصول سكانه تناوله عدد من الروائيين ابرزهم نجيب محفوظ وفتحي غانم الذي نختار من روايته ” بنت من شبرا ” مشهدأ ربما يوحي بمدى تعدد الثقافات وكذلك الصراعات الأجنبية في الحي «ما تيلدا» . بطلة الرواية . تحدد المعالم بشبرا كنيسة سانت تريز والنادي الايطالي بحدائقه الواسعة والمراجيح تركبها ماريا ابنتها وكوستا اليوناني وزوجته بنينا يتحدثان معها ويشربان البيرة يوم الأحد، في انتظار عودة أميلو . زوجها . من موعد اميرة طلبته على عجل وكان كوستا يقوم بين وقت وآخر بدفع مقعد ماريا على الأرجوحة فيدفع مقعدها اكثر فأكثر وتطير في الهواء ويرفع الهواء فستانها فيعريها وكان الفريدو ابن ماركو الميكانيكى هو المرشح في نظر السنيورة ماتيلدا للزواج من ماريا ، فأبوه صاحب ورشة سيارات تدر ذهبا وله فيللا في نهاية الشارع لها حديقة فيها تماثيل من المرمر ولن يضيع كما ضاع ماريو شقيق ماريا ضحية لأحلام زوجها في العظمة والمجد اذ كان اميليو پری غازيا راكبا حصانه الابيض ليحكم مصر كما حكمها يوليوس قيصر ایام كليوباترا، فإذا كان اليوم هو الحلاق في بلاط الأسرة المالكة فندا سيكون هوة ممثل موسوليني الدوتشي العظيم في بلاط اصبحت فيه اميرات اليوم جاريات للسيد الروماني الجديد إنه اليوم الخادم ولكنه غدا السيد .. . لقد دفع الثمن غالية ومقدمة من أجل مجد روما والانضمام الى القمصان السوداء ثم سافر ماريو الى الحبشة جنديا في جيش الدوتشي وهناك لقى مصرعه فكان ذلك أول شرخ في بناء المجد والعظمة اللتين حاول اميليو ان يقنع بهما زوجته ماتيلدا وهي الان تفرمن احلام المجد وتكتفي بمملكتها في شبرا .

 

 

Comments

  • No comments yet.
  • Add a comment