شارع العباسية

 

 

 

شارع العباسية، يبدا بازدحام طلاب واحدة من أكبر قلاع التعليم في مصر وهي جامعة عين شمس، وينتهي وسط ميدان الجيش، ويمتد في منطقة بدأت عسكرية فقد كانت نائية تقع على حافة الصحراء وتجاور عددا من البساتين أشهرها بستان الخندق الذي كان يقع على يمين بداية الشارع من ناحية ميدان العباسية واسمه يرجع إلى خندق عسکری بناه القائد جوهر الصقلى لصد هجمات أعداء الدولة الفاطمية، ومن المصادفات أن الشارع يبدا الآن من أمام فتحة نفق يصل لجامعة عين شمس ولا يختلف كثيرا عن الخندق القديم، وفي أربعينيات القرن التاسع عشر بدأت المنطقة بما فيها أرض الشارع تتراقص في أذهان أبناء وأحفاد محمد على باشا باعتبارها مساحة خالية تصلح الإقامة عدد من المدارس العسكرية وبالفعل أقاموا بها مدرسة الضباط ومدرسة البيادة أي المشاة ومدرسة السواري أي الفرسان ومدرسة الطوبجية أي المدفعية ولكن بمرور الوقت غلب عليها الطابع المدني وراحت تتخذ موقعها كضاحية أولى للقاهرة وفي بدايات القرن العشرين صار الشارع على رأس الأماكن المفضلة لكن الأعيان والتجار وأبناء الطبقة المتوسطة في مصر.

 

 

ولعل أشهر الأسر المصرية التي تركت ازدحام القاهرة القديمة وسارعت بالسكن بالشارع في هذه الفترة أسرة الروائي العالمي نجيب محفوظ، فقد انتقلت إلى العباسية وأقامت بها وهو في حوالي العاشرة من عمره.

 

 

واسم الشارع يعود مباشرة إلى أسرة محمد على باشا كما أنه من الأسماء النادرة التي نجت من هوجة الإطاحة والتغيير التي طالت معظم شوارع القاهرة
القاهرة شوارع وحكايات التي حملت أسماء حكام وملوك وأمراء هذه الأسرة بما فيها شارع محمد على مؤسسها الأول وشارع الخديو إسماعيل مؤسس القاهرة الحديثة، اسم الشارع يعود إلى عباس حلمي الأول بن الأمير طوسون الذي تولى حكم مصر بعد وفاة عمه إبراهيم باشا بن محمد على. .

 

 

عباس حلمي الأول تولى حكم مصر من عام ۱۸۶۸ حتى ۱۸۵۶ وأسس الشارع والمنطقة المحلية عندما شيد على حافتها الشرقية ثكنات الجيش المصري كما شجع الناس على تعميرها عن طريق منح الأراضي كما أقام بالقرب منها مستشفى ومدرسة وقصرا .

 

 

ومنطقة العباسية ليست الشارع فقط بل أطلق الاسم على الحي بأكمله وكانت تلك المنطقة تسمى قديما «الحصوة» لأنها اشتهرت بكثرة الحصى والزلط اللازم المباني القاهرة وبالهواء الجاف. .

 

وهناك رواية تقول إن الوالي عباس حلمي الأول كان يعاني مرضا صدرا وكان الهواء الجاف أهم علاج له فخرج ذات يوم النزهة في صحراء الحصوة وبات فيها ليلة فأعجبه هواؤها وشعر بالراحة فاتخذ قراره بإعمار المنطقة وأطلق عليها اسمه.

 

وأصدر عباس حلمي الأول قرارا في ۲۷ جمادى الآخرة عام ۱۲۹۵ه بأن يتجه الأمراء والأعيان أصحاب الجاه والثروة إلى بناء القصور والبيوت الفخمة في صحراء «الحصوة» العباسية لتصبح منطقة معمورة ومأهولة وامتدادا للقاهرة وبدأ الوالي بنفسه حيث أنشأ «قصر الحصوة» الذي كان يرتاح فيه عند اعتلال صحته وهذا القصر زاره فيه المهندس الفرنسي فرديناند ديليسيبس عام ۱۸۵4 محاولا إقناعه بحفر قناة السويس وهو نفس العام الذي مات فيه عباس وتولی بعده سعيد وقد وصف ديليسيبس القصر قائلا: إن به عشرين ألف نافذة .

 

وتوسع الوالي محمد سعيد باشا في منشآت العباسية فأقام ثكنات الجيش وأنشأ المدرسة التجهيزية التي نقلت بعد ذلك إلى منطقة درب الجماميز وسميت المدرسة الخديوية الثانوية.

 

وواصل الخديو إسماعيل المنشآت العسكرية في العباسية فأقام مدرسة «البيادة المشاة وغيرها من المدارس العسكرية واشترى قصر الحصوة الذي أقامه عباس الأول من إلهامي بن عباس ووهبه إلى والدته وفي عام 1865 مد الخديو إسماعيل السكك الحديدية من القاهرة إلى العباسية ومن العباسية إلى القبة ونظم سباقات للخيول في ميدان العباسية.

 

أما أكاديمية الشرطة الواقعة الآن في شارع السرايات الملاصق لميدان العباسية فقد كان في موقعها معسكر للجيش البريطاني أقيم في أعقاب الاحتلال عام ۱۸۸۲ وفي موقع برج مصر للسياحة والمكتب العربي للتصميمات الآن كانت تقع «قلاقشات الزعفران».

 

وأصبح حي العباسية بحق عاصمة مستقلة للاحتلال البريطاني لمصر إذ أطلقت أسماء إنجليزية على شوارع المنطقة مثل شارع ولسلي عند تقاطع میدان العباسية مع شارع رمسيس وشارع جرانفيل امتداد شارع السرايات وهو الشارع الذي حمل بعد ذلك اسم أحد رموز حزب الوفد وهو فخري عبدالنور وهكذا مضت الأسماء الأجنبية للشوارع مثل بولك وكيتشنر ودرومر وكلها اختفت بعد ذلك.

 

وارتبط اسم العباسية بمستشفى الأمراض النفسية والعصبية التي تحمل شعبيا اسم «مستشفى المجانين» أو مستشفى المجاذيب أو «السراى الصفراء» بل أصبح الناس يقولون لمن يشكون في قواه العقلية «أنت عباسية خالص» أي «مجنون». .

 

وقد أنشئ هذا المستشفى في عهد الخديو توفيق وتوالى بعده إنشاء المستشفيات في كل التخصصات بهذه المنطقة مثل مستشفى الحميات المواجهة المستشفى المجانين وبالقرب منه المستشفى الإيطالي والمستشفى اليوناني والمستشفى القبطى والمستشفى الفرنساوي الذي صار يحمل اسم الطيران.

 

وفي ميدان عبده باشا أو المنطقة المسماة العباسية الشرقية توجد مدرسة إسماعيل القباني «العباسية سابقا، وكانت تلك المنطقة خالية من أية منشآت وتعرف باسم «مولد النبي» وتم تعمير شارع السرايات الحالي وأقيمت به مدرسة الصناعات الزخرفية التي أصبحت مقرا لكلية هندسة عين شمس.

 

ويتقاطع شارع العباسية وهو يسير في اتجاه ميدان الجيش مع عدة شوارع غريبة الأسماء مثل شارع السبع والضبع وشارع زرع النوى ثم شوارع لأسماء شخصيات معروفة مثل البيومى والمطرب الشهير عبده الحامولي.

 

وكما أن المنشآت العسكرية تسببت في وضع حجر أساس الشارع فإنها جعلته هدفا لفارات الحرب العالمية الثانية فبسبب أن معسكرات الإنجليز كانت قريبة منه نال الشارع نصيبا وافرا من غارات الطائرات الألمانية والإيطالية في بدايات الحرب كما أن المنشآت العسكرية بالشارع قربت أرض الشارع من بدايات مقاومة الشعب المصرى للاستعمار الأوروبي فخلال أحداث الثورة العرابية وتحديدا يوم ۱۸ فبراير ۱۸۷۹ عقد 600 ضابط مصري اجتماعا في ثكنات الجيش القريبة من الشارع وخرجوا في مظاهرة عسكرية اشترك فيها طلاب المدارس العسكرية القريبة وبعض الجنود وثلاثة من أعضاء مجلس شورى النواب، وتوجهوا من أرض الشارع إلى مقر وزارة الداخلية بقيادة البكباشى لطيف سليم وتربصوا بنوبار باشا أول رئيس وزراء مصرى وویلسون ممثل بريطانيا العظمى في الحكومة المصرية عند خروجهما من الوزارة التي مازال مبناها قائما حتى الآن وكان في الأصل قصرا لإسماعيل باشا المفتش وبمجرد خروجهما ضربوهما ضربا مبرحا وسجنوهما داخل الوزارة وكادوا بفتكون بهما لولا تدخل الخديو إسماعيل. وفي المظاهرة سقطت وزارة نوبار في اليوم التالي.

 

الشارع يبدأ بميدان العباسية، وهو ميدان واسع ومزدحم يصلح لتوسط مدينة كاملة، فداخله موقف لمختلف أنواع المواصلات وحوالى ثلاثة من كبار موزعي الصحف ومحاط بعدد كبير من المحال التجارية والمقاهي أبرزها مقهى الشباب وكافتيريا الاعتماد وكلاهما يعتمد بشكل أساسي على طلبة وطالبات جامعة عين شمس وناصية شارع الفريق محمد شكري تقع على الحافة الجنوبية للميدان وبها واحد من أكبر أسواق الفاكهة والخضر في القاهرة وفي مواجهتها تطل عمارة مصر للسياحة وبرج التطبيقيين المصمم على طراز الفنادق الحديثة وبالقرب منها يقع الفندق الذي أقامت به وزارة الثقافة المصرية مهرجانها الشعري الأول عام 1994 وأثناء جلساته التي أقيمت في العباسية توفي الناقد على شلش.

 

أسماك الشرقاوي وملابس القصبجي تبدأ امتداد شارع العباسية بعد الميدان وبعدهما مباشرة تطل واجهة المواساة الإسلامية التي تأسست بالشارع عام ۱۹۰۸ في مبنى على طراز العمارة الإنجليزية وأمامه ماسح أحذية معوق يستعين على ندرة الأحذية بالتأمل في لافتة أحمد عبد التواب المحامي.

 

مدرسة العباسية القديمة للبنات تبدأ سلسلة القصور بالشارع فلافتتها معلقة بشكل عشوائي على واجهة قصر رغم الإهمال والقذارة يحافظ على رونقه القديم.
ناصية شارع عظيم الدولة تجاور قصرا يعاني من تصدعات ربما تعجل بزواله من الوجود نهائيا وفي هذه المنطقة من الشارع سكن أحد رموز حزب الوفد المصري في القرن العشرين وهو فخري عبد النور الذي ولد في مدينة جرجا، بصعيد مصر لأسرة كانت تعمل بالتجارة والزراعة وكان والده عبدالنور أقلاديوس من الذين شاركوا في إعداد حملة الخديو إسماعيل التي اجتازت كل أراضي السودان وبفضلها وصلت القوات المصرية إلى منابع النيل.

 

وفخري عبدالنور الذي يعد أشهر سكان الشارع القدامى على المستوى السياسي التقي بسعد زغلول عام ۱۹۱۸ وكان ضمن الذين جمعوا له التوقيعات التي جعلته وكيلا عن الشعب المصري في المفاوضات مع الإنجليز وبعدها أصبح فخري عبد النور عضوا بارزا في حزب الوفد وفي لجنته المركزية واقتادته القوات الإنجليزية من بيته بالشارع واعتقلته أكثر من مرة بسبب مواقفه الوطنية وأثناء مسيرته السياسية انتخب عضوا بالبرلمان المصرى عام ۱۹۲۶ وظل به حتى داهمه الموت أثناء إحدى خطبه البرلمانية عام ۱۹۲۶.

 

وناصية شارع الفنان الراحل صلاح ذو الفقار – الذي كان من سكان المنطقة . تقع تحت قصر آخر وبالقرب منها ميكانيكي سيارات وأطلال قصر قديم أمامه . تمتد حديقة مسجد القبة الفداوية.

 

ومسجد القبة الفداوية بني في الشارع عام ۸۸4ه مكان عدد من المقابر، وبانيه هو الأمير المملوكي الجرکسی بشبك بن مهدي الذي قربه السلطان الظاهر تمرينا وعينه حاكما على الصعيد، غير أنه شارك في الإطاحة بالسلطان تمريغل، ونصب السلطان قايتبا، فكافأه قايتباى بكرسي الوزارة، ومما يروى عنه أنه كان يتصف بالقسوة والعنف في معاملة رعاياه، فأثناء حكمه للصعيد ارتكب من المظالم ما لم يسمع بمثله، فقد شوى بالنار شيخ بنى عدى وخوزق العديد من أبناء ومشايخ القبائل العربية بالصعيد.

 

وجامعه الذي يعد أبرز المنشأت الدينية بالشارع بناه في الأصل كمنظرة أو استراحة له وللسلطان قايتباي واسمه الفداوية ويعود إلى اسم طائفة من الشيعة الإسماعيلية كان أبناؤها يسكنون حول المسجد وعرفوا باسترخاص الحياة في سبيل سيادتهم الروحية، وفي القرن الثامن الهجرى عرفت الطائفة الفداوية باسم المجاهدين، وفي القرن الثاني عشر الهجري بلغوا من الشهرة في البأس أن لقبهم «الفداوية» كان يطلق على الأشداء من الرجال.

 

شرطة الوايلي تجاور بالشارع الجمعية الاستهلاكية ومدرسة العباسية الثانوية ومعهد العباسية للحاسب الآلي والعلوم التجارية ومدرسة التحرير للقوات المسلحة وقصر حالته تدعو للأسى ليس على عمارته التي تكاد تنهار من الإهمال والتجاهل ولكن على عصره الذي غرب إلى الأبد من سماء الشارع.
مركز الأجهزة الطبية بمبناه الأنيق يجاور ناصية شارع أحمد بك سعيد وبعده تطل واجهة سينما بسمة وكازينو التحرير الذي يمهد لنهاية الشارع التي تقع وسط ميدان الجيش.

 

Comments

  • No comments yet.
  • Add a comment