الأرشيف

شارع جامعة القاهرة

شارع جامعة القاهرة

 

شارع جامعة القاهرة (فؤاد الأول سابقا) يحافظ حرفيا على مدلول اسمه فهو ينفرد بكونه الشارع العلمي والتربوي الوحيد في القاهرة الكبرى سواء على مستوى سكانه، فهم في الغالب من طلبة العلم واساتذته أو على مستوى منشآته فمعظمها مراكز بحث وكليات وقاعات درس وتجريب يفترش بعض واجهاتها باعة الكتب وماكينات التصوير المزدحمة بالطلاب لذلك فإن السكان العاديين لا يحلمون بمجرد الاقتراب من ارضه بغرض الاقامة الدائمة فالبنايتان الوحيدتان فيه وجدتا بالصدفة في غفلة من المنشآت التعليمية والبحثية التي من المتوقع بل ومن الضروري أن تزحف عليهما وتحتلهما في وقت قريب حتى يصبح الشارع ساحة نقية للعلم والعلماء.

 

شارع جامعة القاهرة يبدأ من قلب ميدان الجيزة تلك المدينة القديمة التي كانت تتمتع بمكانة مرموقة قبل الاسلام وعندما فتح الجيش العربي الاسلامي مصر رغب بعض  الجنود والقبائل العربية المصاحبة للجيش في التمتع بخصوبة ارض الجيزة واعتدال مناخها ونصبوا خيامهم في منطقة قريبة من الميدان الذي ينطلق منه حاليا الشارع مارا  بالعديد من قلاع العلم والدرس قبل أن يبلغ نهايته عند المسلة الفرعونية التي تقع بين الأشجار الكثيفة لحديقة الأورمان وقبة الجامعة الشهيرة.

 

 

قصة الشارع ترتبط ارتباطا وثيقا بقصة الجامعة فهي تبدأ منها وتنتهي اليها عبر تاريخ طويل بدأ بفكرة خيالية داعبت رواد التعليم في مصر في القرن التاسع عشر مثل
على مبارك الذي عبر عن خضوعه لفكرة جمع المدارس العليا في مكان واحد ويعقوب ارتين باشا الذي خدم التعليم طويلا وكان وكيلا لوزارة المعارف عام ۱۸۸4.

 

 

تلك الفكرة هي انشاء جامعة أهلية على غرار الجامعات الغربية وظلت حبيسة جلسات رجال التعليم والمثقفين وقاعاتهم وندواتهم الضيقة حتى تلقفتها الصحافة وطرحتها على الرأي العام المصرى اواخر تسعينات القرن التاسع عشر ويذكر التاريخ أنه كان للاديب الشهير والصحفي المؤسس جورجی زیدان فضل الريادة في ذلك فقد طالب على صفحات (الهلال) بتأسيس تلك الجامعة، كما اقترح عام ۱۹۰۳ على المدرسة الكلية السورية (جامعة بيروت الأميركية) أن تنشيء فرعا في القاهرة يكون نواة لقيام المدرسة الكلية المصرية كما ساهمت جريدة (المقتطف في طرح الفكرة من خلال مقال نشر في أبريل عام ۱۹۰۳ وتحدث عن الجامعات ووظيفتها في اوروبا وأميركا ودورها في نهضة الأمم.

 

 

ومن العلماء والمفكرين كان الشيخ محمد عبده مهتما بإقامة تلك الجامعة بعد ان يئس من امكانية اصلاح نظام التعليم في الأزهر وتطويره واعلن ان اقامتها يجب أن تكون بجهود الأغنياء وعندما لم يستجيبوا اخذ يهاجمهم بضراوة في مقالاته وخطبه وجلساته حتى خجل احدهم وهو المنشاوي باشا وتحمس للفكرة ووعد بإقامة الجامعة على نفقته وفوق الأرض التي كان يملكها قرب القناطر الخيرية، غير ان الموت داهمه قبل أن ينفذ وعده ولحق به الشيخ محمد عبده ۱۹۰۰.

 

 

الانتكاسة العلمية والمادية للفكرة لم تؤد الى وأدها فلحسن الحظ قبل موت الشيخ محمد عبده ببضعة شهور اقتنع الزعيم مصطفى كامل بالفكرة وكتب مقالا في اللواء) في اكتوبر ۱۹۰۵ حض فيه القراء على أن يبدو رأيهم في مشروع الجامعة وامكانية تحقيقه باعتباره حجر الأساس للنهضة الوطنية وعندما قوبلت دعوته بحماس كبير عاد للكتابة في نفس الموضوع عام ۱۹۰۵ واقترح ان تحمل الجامعة اسم (كلية محمد على) بمناسبة مرور مئة عام على توليه حكم مصر.

 

 

 

واضح ان مصطفى كامل أراد بذلك الاسم أن يجذب الخديو وامراء اسرة محمد على الحاكمة لدعم المشروع وتشجيع الأعيان والاثرياء وبالفعل نجحت محاولته نجاحا نسبيا فأيد الأمير حيدر فاضل دعوته وتبعه بعض الأعيان وبدأ الاكتتاب لتنفيذ مشروع الجامعة وتمخض عند ثمانية آلاف جنيه غير ان الهمم فترت عندما تجاهل الخديو المشروع لأن الدعوة جاءت من مصطفى كامل .

 

 

لكن مصطفى كامل صاحب مقولة (لا يأس مع الحياة) لم ييأس وأصر على مواصلة جهوده في تنفيذ الفكرة وعندما شكلت لجنة عام 1906 لجمع التبرعات بغرض تقديم هدية له بمناسبة عودته من أوروبا بعد أن نجح في شن حملة دعاية سياسية ضد بريطانيا بسبب حادث دنشواي رفض جمع هذه التبرعات من خلال رسالة بعث بها من باريس الى محمد فريد، وطالب بان تقوم لجنة جمع التبرعات بدعوة الأمة كلها وطرق باب كل مصرى لتأسيس كلية (جامعة) تجمع ابناء الفقراء والاغنياء على السواء  وتعطى الأمة الرجال الأشداء الذين يكثرون في عداد خدامها المخلصين لان كل مليم يزيد على حاجة المصرى ولا ينفق في سبيل التعليم ضائع سدى والامة محرومة منه بغير حق.

 

كما دعا مصطفى كامل الى وحدة الصف وتناسي الخلافات السياسية والحزبية من اجل انجاز مشروع الجامعة وكتب الى الشيخ على يوسف صاحب المؤيد) يدعوه الى فتح  باب الاكتتاب للمشروع معلنا تبرعه بمبلغ خمسمئة جنيه المشروع انشاء الجامعة.

 

 

وبالفعل بدأت المؤيد) نشر قوائم باسماء المتبرعين للمشروع والمبالغ التي تبرعوا بها ,ونجح مصطفى كامل في نقل الفكرة الحالمة الى حيز التنفيذ رغم انف الخديو   والانجليز الذين عارضوا انشاء الجامعة بشدة لكن المناورات السياسية نجحت في ابعاد مصطفى كامل عندما بدأت اولى الخطوات العملية في انشاء الجامعة الأهلية، فعندما  اقترحت جريدة (المؤيد) تكوين لجنة تحضيرية من كبار المكتتبين لإنشاء الجامعة لوضع خطة لتنفيذ المشروع دعا مصطفى كامل المكتتبين الى بيته لتنفيذ اقتراح (المؤيد)  وانتخاب اعضاء اللجنة ورئيسها ولكن مكان الاجتماع تغير فجأة لوضع المشروع في ايدي اشخاص أقل اندفاعا ولتحقيق ذلك عقد الاجتماع في بيت سعد زغلول بحجة تجنب المهاترات الصحفية وشكلت اللجنة التحضيرية لانشاء الجامعة من سعد زغلول (وكيلا للرئيس) وقاسم امین (سكرتيرا) وحسن سعيد بل وكيل البنك الألماني الشرقي (امينا للصندوق)، اما بنية الحاضرين لقد اصبحوا أعضاء اللجنة وترك منصب رئيس اللجنة شاغرا الى ان يتعطف الخديو ويوافق على أن يشغله احد امراء الاسرة  العلوية وفي ۲۲ ديسمبر ۱۹۰۷ اضطر الخديو عباس حلمي الثاني لان يبلغ اعضاء اللجنة موافقته على اسناد رئاستها الى الامير احمد فؤاد الذي اجتمع بها في نصره الذي كان بهاب اللوق وقرر ان پیدا نشاط الجامعة في اتجاهين اولهما ایفاد بعثة من عشرة طلاب الى جامعات انجلترا وفرنسا وألمانيا وسويسرا الدراسة العلوم والاداب ليكونوا نواة لهيئة التدريس المصرية بالجامعة وثانيهما آن تبدا الدراسة بالجامعة بأربعة دروس فقط هي: تاريخ الحضارة القديمة في الشرق وتاريخ الحضارة الاسلامية وتاريخ الأداب العربية وتاريخ الأداب الفرنسية والانجليزية . وان تكون مدة الدراسة ثمانية شهور فقط في العام.

 

 

في ۲۰ مايو ۱۹۰۸ تم تشكيل اول مجلس ادارة للجامعة من الأمير أحمد فؤاد رئيسا) وحسين رشدى باشا وابراهيم نجيب باشا (وکیلین) واحمد زكى باشا سكرتيرا) وحسن
سعيد بله ) أمينا للصندوق) ويعقوب ارتين باشا ود محمد علوي باشا وعبدالخالق ثروت باشا ومرقس حنا أفندي ومسيو ماسبرو ويوسف صديق بلد وعلى ابوالفتوح بله
وعلى بهجت ومسيو لوزينا وعلى ذوالفقار بله اعضاء) وكان أول قرار لهذا المجلس هو استئجار الدور الأول من سرای جانكليس التي تحتلها الآن الجامعة الأميركية
بالقاهرة بمبلغ ۳۵۰ جنيها في السنة لاتخاذه مقرا للجامعة بعد أن رفضت الحكومة منحها مقرا ولو مؤقتا. وفي ۱۲ ديسمبر افتتحت الجامعة رسميا في احتفال كبير اقيم في
مجلس شوری القوانين وحضره الخديو وكبار رجال الدولة والأمراء والأعيان والسفراء الأجانب وشيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية.

 

 

في عام 1914 بدأت بشائر نقل الجامعة إلى أرض الشارع بتبرع الأميرة فاطمة بنت الخديو اسماعيل بقطعة ارض كانت ضمن مكان الجامعة الحالى وكذلك بمبلغ كبير من
المال لكي يقام عليها مقر خاص للجامعة بعد أن تأكد وقوعها في ضائقة مالية تحول دون استمرارها، ولكن ظروف الحرب العالمية الأولي حالت دون تنفيذ المشروع
فاضطر مجلس ادارة الجامعة تحت نقل ایجار الدور الأول من قصر جانكليس الى نقل مقرها قسر محمد صدقى باشا بشارع الفلكي الذي أجرته بمبلغ ۲۰۰ جنيه كل عام.

 

 

في هذا الوقت كانت الجامعة أهلية تعتمد نفقاتها على مايجود به المكتتبون او المتبرعون وبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى امتزجت في الجامعة الحكومية التي اعلن عن
البدء في إقامتها ومنحتها الحكومة مقرا موقتا في سراي الزعفران بالعباسية، وهي الان داخل جامعة عين شمس كما منحتها تسعين فدانا لبناء كليات الاداب والحقوق
والعلوم والمكتبة ومساكن الطلاب والملاعب في مكانها الحالي بالشارع وكذللك 40 فدانا لإنشاء كلية الطب ومستشفاها في منيل الروضة وبدات الدراسة بها بعد أن
خضعت لهيمنة الحكومة واشرافها واصبحت تعرف باسم (جامعة فؤاد الأول) عام ۱۹۲۹ واحتلت مكانها الحالي بالشارع عام .۱۹۲۹ وبمجرد أن انتقلت الجامعة لارض
الشارع الذي اتخذ منها إسمه اصبحت منارة دائمة للعمل الوطني واصبح طلابها في طليعة الحركة الوطنية وصاروا مؤشرا حساسا لقياس موقف الراي العام المصري تجاه
جميع القضايا السياسية. ومن أبرز مواقفهم الوطنية المشرفة انتفاضة عام ۱۹۳۰ التي اندلعت عقب القاء وزير الخارجية البريطاني السير صامويل هور لبيان أعلن فيه
رفض حكومته إعادة الدستور المصرى وفيها امتلك الطلبة زمام المبادرة الوطنية وعقدوا اجتماعا داخل حرم الجامعة بالشارع في ذكرى عيد الجهاد (۱۳ نوفمبر) ثم خرجوا
من الجامعة الى أرض الشارع في مظاهرة كبرى فتصدت لهم قوات الشرطة واطلقت النار عليهم فاصيب العديد من الطلاب.

 

 

وفي اليوم التالي اعاد الطلبة تنظيم صفوفهم وبدأوا من ارض الشارع مظاهرة كبرى كانت تنوي الوصول الى قصر عابدين غير ان قوات الشرطة حاصرت نحو ثلاثمئة
من الطلاب المتظاهرين فوق كوبري عباس الذي يقع على مشارف الشارع واطلقت عليهم الرصاص الحي فقتل طالب الزراعة محمد عبدالمجيد مرسي وطالب الاداب
محمد عبدالحكيم الجراحي والقي القبض على العديد من الطلاب واصدرت ادارة الجامعة على اثر ذلك قرارا بوقف الدراسة ولكن الطلاب رفضوا وواصلو ثورتهم حتى
نجحوا في اعادة دستور ۱۹۲۳.

 

 

اما آخر الجهود الوطنية لطلاب الجامعة بارض الشارع فهي تلك المظاهرات اليومية الحاشدة التي اندلعت ومازالت تندلع لمناصرة الشعب الفلسطيني في مواجهة مأساته
التي يقف وسط لهيبها عاريا ليس فقط امام مجنزرات اسرائيل ولكن ايضا امام التواطؤ الغربي والتخاذل العربي المقيت.. الشارع ظل يحمل اسم الملك فؤاد الأول حتى
اطاحت ثورة يوليو بالاسم ونصبت مكانه اسم القاهرة وطوال تاريخه شهد العديد من الحكام والقادة العرب الذين درسوا في جامعة القاهرة.

 

 

يبدا الشارع بميدان الجيزة الذي يحتوي على موقف اتوبيس وتحيط به عدد من العمارات الضخمة ابرزها سنترال الجيزة وعلى حافته تطل واجهة بناية تحافظ على طراز
العمارة الاسلامية وتتطابق تماما مع شكل المنشآت الحكومية بامارة الشارقة وهو يضم مركز المعلومات والمكتبة التي أهداها د/ سلطان بن محمد القاسمي حاكم امارة
الشارقة الى كلية الزراعة التي تخرج منها عام 1966 وتجول في ارض الشارع ليفتتحها مع د عاطف عبيد رئيس وزراء مصر في احتفال رسمي يوم الأربعاء ۲۷ مايو
۲۰۰۱.

 

مكتبة كلية الزراعة تواجه بالشارع مبنى حجريا صلبا يناسب تماما كلية الطب البيطري وابحاثها الحيوانية وبعدها تواصل باقي منشأت كلية الزراعة امتلاك ضفتى
الشارع دون مقاومة الا من واجهتى بنايتين سكنيتين ضلتا طريقهما الى ارض الشارع التعليمي والبحثي.

 

 

مسجد الطاروطي الذي انشأه المحامي محمد فريد الطاروطى ظهر بالشارع عام 1966 وهو يشبه الى حد كبير مساجد القاهرة الفاطمية ويحتوي على مكتبة عامة تابعة
لوزارة الأوقاف وامامه عدد من الشباب وبوابته يحتلها بشكل شبه دائم عجوز متسول.

 

 

مركز البحوث الزراعية والادارة المركزية للتقاوي يواجهها بالشارع بداية حديقة الحيوان باشجارها الكثيقة وبعدهما تطل واجهة واحدة من أعرق واشهر مدارس مصر
على الاطلاق وهي المدرسة السعيدية التي انشئت في اكتوبر ۱۹۰۹ وكان مقرها في البداية قصر جميلة هانم في حي المنيرة وفي يناير ۱۹۰۹ انتقلت الى مكانها الحالي
بالشارع وكان ناظرها في ذلك الوقت مستر شارمان الانجليزي، وفي صيف ۱۹۱۵ اضطرت لمغادرة الشارع تحت وطأة ظروف الحرب العالمية الأولى التي حولت
مبناها بالشارع الى مستشفى للجرحى من جنود وضباط الجيش الانجليزي ونقلت الى قصر جناكليس بمجرد أن غادرته جامعة القاهرة الى قصر محمد صدقى باشا.

 

 

 

عام ۱۹۱۹ تمكنت مدرسة السعيدية من العودة الى مبناها الحالي بالشارع وطوال تاريخها تولى نظارتها عدد من ألمع رجال التعليم المصريين والأجانب منهم محمد بك
رشدي واحمد برادة بك وعلى حسن ومستر هاردل ومحمود قاسم وامين سامي وغيرهم كما اشتهر طلابها بالتفوق العلمي والرياضي وكذلك بسرعة التفاعل مع القضايا
الوطنية والخروج في المظاهرات الحاشدة وبسبب رغبتهم في الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني والتعبير عن رفض التحيز الأميركي لاسرائيل قاموا في احدى مظاهراتهم
بتدمير احد المطاعم الأميركية القريبة من الشارع.

 

 

مبنى مدرسة السعيدية الثانوية تتصدره لوحة رخامية قديمة تتبيء عن عراقة تاريخها وداخله مقر جمعية خريجي المدرسة التي تضم العديد من رجال الفكر والادب والفن
في مصر,وامامه بزاوية منحرفة قليلا تطل واجهة كلية الهندسة التي تأسست عام ۱۹۰۵ ومن أمامها مباشرة يمكن تأمل مباني الجامعة التي تتميز بأناقة ملكية تتوسطها
ساعة الجام

Comments

  • No comments yet.
  • Add a comment